
كتب (محمد البابا)
منذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، وثّقت منظمات حقوقية ودولية عدة انتهاكات ارتكبتها القوات الروسية، والتي قد ترقى إلى جرائم حرب. تشمل هذه الانتهاكات الهجمات العشوائية على المناطق المدنية، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المدنيين، وتدمير البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمنازل.
أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن القوات الروسية أظهرت “تجاهلاً صارخًا لأرواح المدنيين” باستخدامها صواريخ باليستية وأسلحة متفجرة أخرى ذات تأثير واسع في المناطق المأهولة بالسكان.
كما وثّقت المنظمة هجمات عشوائية في مدن مثل فولدار وخاركيف وأومان، أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين وإلحاق أضرار بالمباني السكنية.
بالإضافة إلى ذلك، أفادت تقارير باستخدام القوات الروسية للتعذيب والاعتقال القسري لفرض سيطرتها على المناطق المحتلة. وفي بعض الحالات، بدأت السلطات الأوكرانية بمحاكمة المتهمين بارتكاب أعمال تعذيب غيابيًا.
تُواصل المنظمات الدولية والمحلية جمع الأدلة والشهادات لتوثيق هذه الانتهاكات، بهدف محاسبة المسؤولين عنها وضمان تحقيق العدالة للضحايا. ومع ذلك، يظل الطريق إلى العدالة مليئًا بالتحديات، نظرًا لتعقيدات النزاع والحاجة إلى تنسيق الجهود الدولية في هذا الصدد.
قتل وتشويه الأطفال
كان الأطفال من بين أكثر الفئات تضررًا. فقد وثقت منظمات حقوقية وأممية جرائم حرب مروعة ارتُكبت ضدهم، بما في ذلك القتل والتشويه، والاختطاف والترحيل القسري، والاستهداف المباشر للمستشفيات والمدارس. هذه الانتهاكات تعكس وحشية الحرب، وتثير تساؤلات حول مدى إمكانية تحقيق العدالة للأطفال الذين فقدوا حياتهم أو اقتُلعت أسرهم من جذورها.
أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بأن مئات الأطفال الأوكرانيين قُتلوا وآلاف آخرين أُصيبوا بسبب القصف العشوائي الروسي على المناطق السكنية. في ماريوبول وخاركيف، تعرّضت مدارس وملاجئ أطفال للقصف رغم كونها مواقع مدنية واضحة، مما أدى إلى سقوط ضحايا من الأطفال كانوا يحتمون بها.
الترحيل القسري للأطفال إلى روسيا
من أكثر الجرائم المثيرة للجدل قيام القوات الروسية بنقل آلاف الأطفال الأوكرانيين قسرًا إلى الأراضي الروسية، وإجبارهم على الحصول على الجنسية الروسية، وضمّهم إلى عائلات روسية. وفقًا لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية، فإن هذه السياسة تهدف إلى محو الهوية الوطنية الأوكرانية لهؤلاء الأطفال، وهو ما دفع المحكمة إلى إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2023.
رغم أن القانون الدولي يحظر استهداف المنشآت التعليمية والصحية، إلا أن تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وثّقت تدمير مئات المدارس والمستشفيات في أوكرانيا جراء القصف الروسي. في بعض الحالات، استُخدمت الأسلحة المحظورة، مما أدى إلى إصابات مروعة بين الأطفال.
اتهمت كييف موسكو بإجبار أطفال أوكرانيين في المناطق المحتلة على الانضمام إلى برامج تدريب عسكرية أو تلقينهم دعاية سياسية مؤيدة لروسيا. بعض التقارير تشير إلى إرسال أطفال أوكرانيين إلى معسكرات “إعادة تأهيل” في روسيا حيث يُعاد تشكيل وعيهم بما يتماشى مع الرواية الروسية الرسمية.
لا تزال جرائم الحرب ضد الأطفال الأوكرانيين مستمرة دون محاسبة جدية، رغم الإدانات الدولية والعقوبات المفروضة على موسكو. وبينما تتراكم الأدلة على هذه الجرائم، يظل تحقيق العدالة للأطفال الأوكرانيين مطلبًا ملحًا يحتاج إلى تحرك دولي أقوى لضمان محاسبة الجناة وإنهاء هذه المأساة الإنساني
شهادات مروعة من ناجين ومنظمات حقوقية عن مجازر بوتشا وإيربين
بعد انسحاب القوات الروسية من بوتشا وإيربين في أبريل 2022، بدأت تتكشف حقيقة المذابح المروعة التي ارتُكبت بحق المدنيين. وثّقت منظمات حقوقية وصحفيون شهادات لضحايا وناجين، إلى جانب صور وأدلة جنائية، أكدت وقوع جرائم حرب ممنهجة.
شهادات الناجين: “ظننا أننا سنموت جميعًا”
“لقد قتلوا عائلتي أمامي”أناستاسيا هريهوريك، وهي امرأة تبلغ من العمر 39 عامًا، روت كيف اقتحمت القوات الروسية منزلها في بوتشا، وأمرت أفراد عائلتها بالخروج, قالت: “أجبرونا على الركوع، وبعدها أطلقوا النار على زوجي وأخي أمامي. كنت أمسك بيد ابنتي الصغيرة، وأغمضت عينيها كي لا ترى المشهد. تركونا أحياء فقط لننقل الرعب للآخرين.”
“قناصة استهدفوا كل من حاول الهرب”
في إيربين، حيث حاول آلاف المدنيين الفرار خلال الساعات الاولي للغزو، استُهدف العديد منهم أثناء عبور جسر إيربين، الذي أصبح رمزًا للمأساة.
أوليكسي، 52 عامًا، أحد الناجين، وصف اللحظة التي قُتلت فيها عائلته أمامه:
“كان الجنود الروس يطلقون النار دون تمييز. رأيت امرأة تحمل طفلها الصغير وقد سقطت فجأة. حاولتُ الوصول إليها، لكنني رأيت القناصة على سطح مبنى قريب. لقد أطلقوا النار عليها عمدًا.”
نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرًا يوثّق حالات قتل ميداني في بوتشا، مشيرة إلى وجود مقابر جماعية وعلامات تعذيب على الجثث، مثل كسور في العظام وطلقات نارية في الرأس.
– في إحدى الحالات، وُجدت جثث رجال مكبلي الأيدي في قبو منزل، ما يشير إلى عمليات إعدام ميدانية.
– أكدت شهادات سكان أن الجنود الروس كانوا يسألون الضحايا عن علاقتهم بالجيش الأوكراني، ثم يقتلونهم فورًا إذا لم تعجبهم الإجابة.
في تقرير صادر عن الأمم المتحدة، تم توثيق حالات اغتصاب وعنف جنسي ضد النساء والأطفال، حيث استخدمت القوات الروسية العنف كأداة ترهيب.
– امرأة تبلغ من العمر 50 عامًا قالت إنها تعرضت للاغتصاب أمام ابنتها بعد أن قُتل زوجها.
– أكدت المنظمات العثور على جثث نساء عاريات وأيديهن مقيدة، ما يدل على وقوع اعتداءات جنسية قبل قتلهن.
ردود الفعل الدولية ومحاكمات قادمة؟
اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة الترحيل القسري للأطفال الأوكرانيين، وهي جريمة حرب موثقة. و طالب الاتحاد الأوروبي بإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المسؤولين الروس عن الفظائع التي وقعت في بوتشا وإيربين.
كما دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى محاكمة الجنود الروس بتهم الإبادة الجماعية، مؤكدًا أن العالم لن ينسى هذه الجرائم.
بينما تستمر الحرب، يواصل الناجون وعائلات الضحايا المطالبة بالعدالة. رغم أن الأدلة واضحة، فإن تقديم الجناة إلى المحاكمة يظل تحديًا في ظل تعقيدات السياسة الدولية. لكن بوتشا وإيربين أصبحتا رمزين للوحشية التي لن تُمحى من الذاكرة، وستبقى المطالبة بالمحاسبة قائمة حتى ينال المجرمون عقابهم.