في خطوة تحمل رسائل سياسية وعسكرية عميقة، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتحريك غواصتين أمريكيتين تعملان بالطاقة النووية إلى مناطق قريبة من روسيا، ردًّا على ما وصفه بـ”التصريحات الاستفزازية” من دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ولإرسال إشارة واضحة بأن أي تهديد أو تجاوز من موسكو سيقابَل بردّ مباشر وحاسم.
هذه المناورة الاستراتيجية تزامنت مع تصعيد روسي خطير، تمثّل في قصف عنيف استهدف العاصمة الأوكرانية كييف وأسفر عن سقوط مدنيين أبرياء، ما أثار موجة إدانات دولية. وفي خضم هذه التطورات، قرر ترامب تسريع وتيرة الضغط على الكرملين، فقلّص المهلة التي منحها لموسكو للقبول بوقف إطلاق النار من 50 يومًا إلى 10 أيام فقط، محددًا الثامن من أغسطس كموعد نهائي قبل فرض عقوبات قاسية تطال روسيا وكل من يشتري نفطها.
تحريك الغواصات النووية إلى تخوم النفوذ الروسي ليس مجرد استعراض قوة، بل هو رسالة تحمل أبعادًا استراتيجية عميقة. فالولايات المتحدة تملك ترسانة بحرية متفوقة تكنولوجيًا على نظيرتها الروسية، حيث تتميز غواصاتها النووية من فئة أوهايو بقدرة على الإبحار لآلاف الأميال دون الحاجة للتزود بالوقود، وبأنظمة تخفي صوتي تجعل اكتشافها شبه مستحيل حتى بأحدث أجهزة السونار الروسية. أما صواريخ Trident II D5 التي تحملها، فهي قادرة على إصابة أهداف على بُعد يفوق 11 ألف كيلومتر، بدقة تقل عن 100 متر، مع إمكانية حمل رؤوس نووية متعددة، وهو مستوى من الدقة والفعالية لا تضاهيه أي منظومة روسية حالية.
في المقابل، أظهرت الحرب في أوكرانيا أن السلاح الروسي يعاني من قصور واضح أمام التكنولوجيا الأمريكية والغربية. أنظمة الدفاع الجوي الروسية، مثل S-300 وS-400، فشلت مرارًا في اعتراض الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، كما أن الغواصات الروسية من فئة Borei وAkula، رغم ضخامتها، أقل قدرة على التخفي والمناورة من نظيراتها الأمريكية، وتفتقر إلى نظم الإطلاق السريع بنفس الكفاءة. هذه الفجوة التكنولوجية تعني أن أي مواجهة بحرية أو صاروخية ستكون الكفة فيها راجحة لصالح واشنطن.
لكن الرسائل التي يبعثها ترامب لا تقف عند حدود القوة العسكرية. فبعد ستة أشهر من المواقف المتباينة تجاه دعم أوكرانيا، استقر الرئيس الأمريكي على سياسة واضحة: مستعد لتزويد كييف بالسلاح النوعي والمتقدم، لكن بشرط أن تدفع أوروبا ثمن هذه الأسلحة. هذه المقاربة وضعت الحلفاء الأوروبيين أمام مسؤولياتهم المالية والعسكرية، وقطعت أي أوهام روسية حول إمكانية كسب الوقت عبر الانقسام في الموقف الأمريكي.
روسيا، التي ربما راهنت في البداية على مرونة أو تردد من جانب ترامب، فقدت فرصتها الآن. فبعد أشهر من المواقف المتذبذبة، أصبحت سياسة البيت الأبيض واضحة ومباشرة: دعم أوكرانيا مقابل تحمل أوروبا التكلفة، وفرض ضغط عسكري وسياسي واقتصادي على موسكو حتى ترضخ للشروط الأمريكية.
ميدفيديف حاول السخرية من التحذيرات الأمريكية بالإشارة إلى أنظمة الرد النووي التلقائي في روسيا، لكن ترامب رد بأسلوبه المعهود: ربط القول بالفعل، وتحويل التحذير إلى خطوة عملياتية على الأرض. فما بعد تحريك الغواصات النووية ليس كما قبله، والمغزى واحد: انتهى وقت اللعب، ومن يتجاوز الخطوط الحمراء عليه أن يستعد لمواجهة سلاح أثبت تفوقه الميداني على السلاح الروسي، وسياسة أمريكية جديدة لا تترك مجالاً للرهان على الانقسام أو التردد.
واشنطن اليوم، بقيادة ترامب، لا ترسل إشارات رمزية فحسب، بل تعيد صياغة قواعد اللعبة مع موسكو. فكل خطوة مدروسة ومحمّلة بالمعاني، وكل تحرك عسكري يتكامل مع الضغط السياسي والاقتصادي، ليشكل منظومة ردع شاملة. الرسالة التي تقرأها روسيا الآن واضحة وضوح الشمس: التفوق العسكري الأمريكي ليس شعارًا، بل حقيقة أثبتتها المعارك وأكدتها الاختبارات، وأي رهان على تجاوز هذه القوة أو اختبار صبرها، سيكلف موسكو أثمانًا باهظة لا مجال للتراجع