
كتب محمد البابا
منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في عام 2022، لعبت النساء دورًا محوريًا في القوات المسلحة الأوكرانية. ورغم أن الصورة النمطية التي تروج لها بعض الثقافات قد تقصر دور النساء في الحروب على الدعم الطبي أو اللوجستي، فإن المجندات في الجيش الأوكراني أثبتن أنهن جزء لا يتجزأ من معركة الدفاع عن أوكرانيا، وكنّ في الصفوف الأمامية في العديد من المعارك.
مع تصاعد الصراع في أوكرانيا، نشأ ضغط على الجيش لتوسيع صفوفه بأسرع وقت ممكن. في هذا السياق، تم فتح المجال للنساء في عدة تخصصات عسكرية، بما في ذلك المشاة، المدفعية، وقوات الدفاع الجوي. وبحلول عام 2022، وصلت أعداد المجندات في الجيش الأوكراني إلى ما يزيد عن 50,000 امرأة، تواجدن في ميادين القتال والمستشفيات العسكرية وحتى على خطوط الدفاع الأولى.
تتراوح أدوار النساء في الجيش الأوكراني من العمل في الوحدات الطبية والتطوعية إلى قيادة المركبات العسكرية وإطلاق النار. العديد من النساء في الجيش الأوكراني لم يكن مجرد داعمات خلف الجبهات، بل كنّ محاربات شجاعات. على سبيل المثال، هناك مجندات في وحدات المدفعية وفي الدفاعات الجوية اللواتي يشاركن في المعارك الكبيرة ضد القوات الروسية.
سفيتلانا الممرضة الشجاعة التي أنقذت حياة الجنود
في قلب هذه الحرب ، تبرز قصة الممرضة سفيتلانا التي تعتبر رمزًا من رموز الشجاعة والإصرار في الجبش الأوكراني. سفيتلانا، البالغة من العمر 39 عامًا، انضمت إلى الجيش الأوكراني كطبيبة ميدانية بعد أن كانت قد خدمت في المستشفيات المدنية في دنبرو.
ومع تصاعد الهجمات الروسية على مناطق عديدة، تم استدعاؤها للعمل في الخطوط الأمامية، حيث كان خطر الموت يلاحق الجميع.
في إحدى العمليات العسكرية الكبرى على جبهة “زاباروجيا “، وقع اشتباك عنيف بين الجنود الأوكرانيين والقوات الروسية. كانت سفيتلانا في تلك اللحظة على مقربة من الخطوط الأمامية مع وحدة من الجنود الأوكرانيين الذين تعرضوا لإطلاق نار كثيف. وفي هذه اللحظات العصيبة، تعرضت العديد من الجنود لإصابات بالغة جراء القصف الروس

ثم بدأ الهجوم للقوات الروسية بالمركبات المدرعة وقوات الإنزال على بلدة ستارومايورسكي، كانت سفيتلانا تقوم في إسعاف المصابين في مركز العمليات الذي كان يتعرض لقصف شديد وعنيف مما ادى الى سقوط العديد من القتلى والجرحى وقتل أيضاً قائد الوحدة، فأصبحت الوحدة بلا قائد، لذلك تولت سفيتلانا القيادة.
فتلقت المسعفة الشجاعة التعليمات عبر الراديو من قائد الكتيبة، الذي كان يشاهد ساحة المعركة من خلال البث المباشر من احدى مسيرات المراقبة، وقام بإرشادها لتصحيح تصرفات جميع المقاتلين في المعركة، ولقد ساعدت هذه المحاولة في إنقاذ العشرات من الأرواح، ولكن قيادة وحدة عسكرية في قلب معركة شرسة كان امر صعب جدا، استطاعت هذه المرأة ان تتفوق على نفسها وأيضاً على أعدائها.
كان الموقع يقع عند اطراف البلدة، في البداية، أطلقت سفيتلانا النار على المهاجمين الروس من سلاحها الآلي، لكن عندما اتضح أن الوحدة أصبحت محاصرة، لأن مجموعة من المحتلين دخلت أحد المنازل من الخلف وسيطروا على طرق الانسحاب وامدادات الذخيرة، التقطت سفيتلانا قاذفة قنابل وبدأت باطلاق القذائف على تمركز القوات الروسية التي تحاول الإطباق على القوات الأوكرانية وحصارها.
“مثل جميع جنود المشاة التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، أطلقت النار عدة مرات في ساحة التدريب من جميع أنواع الأسلحة، بما في ذلك قاذفات القنابل المختلفة، لكن هناك شيء مختلف وهو ساحة التدريب مختلفة، عن ساحة المعركة الحقيقية” تقول سفيتلانا وهي مبتسمة.
“طلبتُ من الرجال الصمود وعدم مغادرة مواقعهم بأي حال من الأحوال، لأننا حينها لن نتمكن من البقاء على قيد الحياة. ثم أخذتُ قاذفة قنابل وذهبتُ لمقابلة مجموعة الهجوم الروسية، اقتربوا كثيرًا – كانوا على بُعد منزلين فقط. التفتُّ حولهم، ونهضتُ وأطلقتُ قذيفة على نافذة المنزل، ثم اطلقت قذيفة اخرى، قتلت مجموعة المحتلين بأكملها هناك،” تتذكر سفيتلانا.
” لقد أحبط صمود الجنود الأوكران والعملية الشجاعة لسفيتلانا الهجوم وتطويق مواقع مقاتلينا، بفضل بقوة وادارة سفيتلانا استطعنا الحفاظ على بلدة ستارومايورسكي، وتمكنا في غضون أيام قليلة من تنفيذ عملية التناوب وسحب المقاتلين من مواقعهم وتبديل الوحدات” يقول الكساندر سيرسكي قائد القوات المسلحة الأوكرانية.
في اليوم التالي لتبديل الوحدات، قدم قائد اللواء 128 من الوحدة التكتيكية “دايك بول” لسفيتلانا جائزة صليب القوات البرية.
“إنه أمر مفرح للغاية، لأنني حصلت بالفعل على وسامين ذهبيين من الدرجة الأولى والثانية، والعديد من الجوائز والتنويهات، ولم يسبق ان منح شخص ما من قبل هذه الجائزة عدة مرات”، تقول سفيتلانا ل “نداء الوطن” .
اللافت ان ابن سفيتلانا، كان أيضًا متطوع وقتل في معركة بالقرب من باخموت، من هنا كان هدفها هو إنقاذ حياة إخوتها. ولذلك، عادت بجائزة جديدة إلى كتيبتها التي تدافع عن اتجاه زابوريجيا .
وسفيتلانا نفسها كانت قد تعرضت لإصابات طفيفة نتيجة القصف، لكنها رفضت مغادرة المكان حتى تأكدت من أن جميع الجنود المصابين قد تم نقلهم إلى مكان آمن.
وتقول سفيتلانا أيضاً: “في تلك اللحظات، لم يكن لدي وقت للتفكير في الخطر الذي يحدق بي. كان كل ما أفكر فيه هو إنقاذ حياة رفاقي، وهذا هو واجبي.”
تظهر تجارب النساء في الجيش الأوكراني كيف يتأثرن بشكل عميق ليس فقط بالضغوط العسكرية، ولكن أيضًا بالصراعات النفسية العميقة التي يواجهنها أثناء مشاركتهن في المعارك. ورغم تعرضهن لتهديدات جسدية وعاطفية، فإنهن يواصلن الإصرار على أداء دورهن بشكل متميز.
إن رؤية المرأة الأوكرانية في هذا السياق لا تقتصر على كونها مجرد ضحية، بل هي أيضًا عنصر فاعل في صناعة القرار العسكري والمشاركة في المعركة. وهذا يعكس تغييرات اجتماعية عميقة في أوكرانيا فيما يتعلق بحقوق المرأة وقدرتها على تقديم مساهمة كبيرة في مجالات تُعتبر تقليديًا حكراً على الرجال.
بعد الحرب، من المتوقع أن تشهد أوكرانيا تحولًا في التصورات المجتمعية حول دور النساء في القوات المسلحة. قد تشهد البلاد تغييرات كبيرة في هيكل الجيش، حيث تتزايد أعداد النساء في مختلف الوحدات القتالية والطبية.
إن قصص مثل قصة سفيتلانا تعتبر محفزًا لكل الأوكرانيات، بل إنها قد تكون دافعًا للعديد من النساء من جميع أنحاء العالم للمشاركة في جيوش بلادهن في حالات الأزمات.
تظل المجندات الأوكرانيات، مثل سفيتلانا، رمزًا للقوة والصمود في وجه المحن. قصصهن لا تقتصر على كونها مجرد حكايات فردية، بل هي شهادة على قدرة النساء على التفوق في أوقات الأزمات وهنّ جزء من مستقبل الجيش الأوكراني. تساهم المجندات في الدفاع عن أوكرانيا بروح لا تعرف المستحيل، ويظهرن أنه لا حدود للشجاعة والإرادة.