
كتب (محمد البابا)
نفذت القوات الأوكرانية في أغسطس/آب من العام الماضي هجوماً مفاجئاً على مقاطعة كورسك الروسية، حيث سيطرت على عشرات القرى وأسرت مئات الجنود الروس، وهي المرة الاولى التي تدخل فيها قوات اجنبية، وتحتل اراضي روسية منذ الحرب العالمية الثانية.
وُصف هذا التوغل بأنه “تحوّل جذري” في مسار الحرب.
وقد شهدت مقاطعة كورسك الروسية تصاعدًا ملحوظاً في الأشهر الأخيرة عبر الأنشطة العسكرية الأوكرانية، مما أثار تساؤلات حول دوافع وأهداف هذا التوغل.
وتسعى أوكرانيا من خلال هذه العملية إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية؛ أهمها تشتيت القوات الروسية بعيدًا عن خطوط المواجهة في أوكرانيا، خاصة في مقاطعة دونباس، حيث أحرزت روسيا تقدمًا بطيئاً في 6أشهر.
وتعتبر أوكرانيا ان السيطرة على أراضٍ روسية ورقة ضغط تستخدمها في المفاوضات المستقبلية، في ظل العجز الروسي في الميدان، والدعوات التي تدعو الى انهاء الحرب عبر المفاوضات.
أيضاً تريد اوكرنيا تعزيز الروح المعنوية للقوات الأوكرانية والشعب الأوكراني من خلال تحقيق انتصارات ملموسة على الأرض بعد الهجوم الروسي في المناطق الشرقية وتأخير استلام المساعدات العسكرية من الحلفاء، مع فشل الهجوم المضاد الأوكراني بعد تسريب الخطط الى الكرملين.
لكن المفاجأة كانت بردة الفعل الروسية البطيئة نسبياً، حيث أعلنت السلطات المحلية في كورسك حالة الطوارئ في المقاطعة، وأمرت بإجلاء ما يصل إلى 121 ألف شخص من المنطقة، كما نُقل 11 ألف شخص آخرون من مقاطعة بيلغورود المجاورة خوفاً من الامتداد الأوكراني حيث حققت القوات الأوكرانية تقدماً وبشكل كبير مع انهيار الدفاعات الروسية التي أثبتت عن هشاشة الخطط الدفاعية للقوات الروسية في الحدود مع مقاطعة خاركيف وسومي الأوكرانية إضافة إلى الفشل الاستخباراتي الكبير للمخابرات الروسية التي لم تستطع الحصول على معلومات حول الخطة الأوكرانية في كورسك. واللافت أنه قبل أيام من هذا الهجوم نقلت روسيا عدداً من الوحدات العسكرية في كورسك باتجاه مقاطعة دونيتسك.
وشكل هذا الهجوم الأوكراني المفاجئ والذي حقق أهدافه الميدانية بشكل سريع تحديات كبيرة لروسيا حيث ظهر عدد كبير من المشاكل اللوجستية رغم المحاولات التي تسعى إليها روسيا لابعاد القوات الأوكرانية من تلك المناطق التي سيطرت عليها. ومن أهم المشاكل التي تواجه الجيش الروسي في التعامل مع هذا التوغل الأوكراني، هي نقص الاحتياطيات اللازمة مع تركيز الجهود العسكرية الروسية داخل أوكرانيا، حيث يفتقر الكرملين إلى الاحتياطيات الكافية لطرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك.
حتى خلال هذه العملية، لم تستطع وزارة الدفاع الروسية اقناع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باطلاق تعبئة عامة جديدة لحشد المجندين للقتال في الحرب خوفاً من ردة الفعل الشعبي داخل روسيا رغم أن النقص في الموارد البشرية اللازمة لعملية طرد القوات الأوكرانية من كورسك تتطلب إرسال عشرات الآلاف من القوات الروسية إلى هذه المنطقة، وهو ما يبدو أن روسيا تفتقد إليه حالياً.
وفي محاولة لمعالجة هذه المشاكل، لجأت روسيا إلى حليفتها كوريا الشمالية، حيث استقدمت أكثر من 20 ألف جندي من الجيش الكوري الشمالي للقتال في كورسك، وأيضاً في شرق أوكرانيا إلا أن هذه الحشود العسكرية لم تقدم الحل القوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك. وتفيد أوكرانيا انها قضت واسرت عدداً كبيراً منهم.
يُظهر التوغل الأوكراني في مقاطعة كورسك تحولاً استراتيجيًاً في الصراع بين البلدين، مع سعي أوكرانيا لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية لفرض معادلة الارض مقابل الارض.
. تواجه روسيا تحديات كبيرة في التعامل مع هذه العملية الأوكرانية، مما يضيف تعقيدات جديدة إلى المشهد الجيوسياسي في المنطقة