
كتب (محمد البابا)
الحرب لم تنتهِ بعد، بل دخلت مرحلة جديدة. ولا يزال بعض اللاعبين الدوليين يسعون لدفع أوكرانيا نحو “سلام سريع”، وهو في الواقع مجرد هدنة مؤقتة لروسيا وخسارة استراتيجية لأوكرانيا. في مقابلة مع بي بي سي، أكد وزير الخارجية الأوكراني السابق دميترو كوليبا بوضوح أن أولئك الذين يروجون الآن للسلام وفق شروط بوتين لا يريدون انتصار أوكرانيا، بل يسعون فقط لإنهاء الحرب بأي ثمن، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات للمعتدي.
أحد الأمثلة على هذا النهج هو ما يسمى بـ”خطة السلام الثلاثية”، والتي، وفقًا لـفوكس نيوز، ناقشتها الولايات المتحدة والاتحاد الروسي في المملكة العربية السعودية. تتضمن “خطة السلام” ثلاث مراحل: وقف إطلاق النار، وإجراء انتخابات في أوكرانيا، وتوقيع اتفاق نهائي. ويبدو أن هذه البنود تصب في مصلحة الولايات المتحدة وروسيا فقط، بينما لا تخدم أوكرانيا على الإطلاق.
إن وقف إطلاق النار دون ضمانات بتحرير الأراضي المحتلة لا يعني إحلال السلام، بل مجرد تجميد النزاع. فهذا سيمنح روسيا فرصة لإعادة تجميع قواتها، وتعزيز قدراتها العسكرية، والاستعداد لمرحلة جديدة من الحرب في المستقبل.
إن إجراء الانتخابات في زمن الحرب لا يشكل تهديدًا للديمقراطية فحسب، بل يعد استفزازًا صريحًا. فإجراؤها، لا سيما في الأراضي الأوكرانية المحتلة، سيؤدي إلى فقدان السيطرة على العملية الانتخابية ويفتح المجال للتلاعب والتدخل الخارجي. ستستفيد روسيا ووكلاؤها على الفور من الفوضى لزعزعة الاستقرار، وسيتم الاعتراف بنتائج الانتخابات على أنها غير شرعية من قبل الأوكرانيين والمجتمع الدولي على حد سواء.
أما بالنسبة للاتفاق النهائي فهو أمر بديهي. بدلاً من التحرير الكامل للأراضي المحتلة، ستقع أوكرانيا في “فخ مينسك”، مما سيجبرها على قبول تسويات لن تؤدي إلا إلى إطالة معاناة الحرب.
إن خطة السلام المزعومة هذه ليست وسيلة لإنهاء الحرب، بل هي فخ لأوكرانيا. تهدف إلى خلق وهم بعملية سلام، بينما في الواقع تتيح للكرملين كسب الوقت والحفاظ على مكاسبه الإقليمية غير القانونية. من الجدير بالذكر أنه في هذا السياق هناك اقتراحات بأن الرئيس زيلينسكي “يواجه فرصًا ضئيلة” لإعادة انتخابه. وهذا يشير إلى أن بعض القوى السياسية في واشنطن تسعى إلى تغيير الحكومة في أوكرانيا، أملاً في العثور على قائد أكثر استعدادًا للتسوية.
وفي الوقت نفسه، ووفقًا لشبكة فوكس نيوز، بدأت الولايات المتحدة وروسيا بالفعل مفاوضات حول الفرص الاقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب. هذه مسألة مثيرة للقلق الشديد، لأن السؤال لا يتعلق بكيفية إعادة بناء أوكرانيا، بل بمن سيتحكم في هذه العملية. يجب على القوى الغربية ألا تكرر أخطاء الماضي، عندما لم يُعاقب المعتدي على جرائمه فحسب، بل مُنح أيضًا الفرصة لاستعادة تأثيره من خلال النفوذ الاقتصادي.
يجب أن تكون استراتيجية أوكرانيا واضحة وثابتة: عدم تقديم تنازلات تعزز مكاسب روسيا الإقليمية أو تضعف سيادة أوكرانيا. وينبغي أن تتضمن هذه الاستراتيجية عدة عناصر حاسمة: أولاً، لا وقف لإطلاق النار دون خطة شاملة لتحرير الأراضي المحتلة؛ ثانياً، لا انتخابات أثناء الحرب، إذ لا يمكن للديمقراطية أن تعمل تحت تهديد العدوان الروسي؛ ثالثاً، يجب أن تتناول أي مفاوضات سلام مسؤولية روسيا عن العدوان وجرائم الحرب والتعويضات التي ستقدمها لأوكرانيا. يجب على أوكرانيا وحلفائها أن يدركوا أن أي “تسوية” مع الكرملين الآن لا تؤدي إلا إلى تأخير ما لا مفر منه وتزيد من خطر نشوب صراع أكبر في المستقبل.
أمام العالم المتحضر خياران: إما تقديم تنازلات تسمح لروسيا باستعادة قوتها، أو مواصلة الكفاح من أجل تحقيق انتصار حقيقي. لم تدفع أوكرانيا ثمنًا باهظًا من أجل حريتها لتمكين أي شخص من فرض السلام وفقًا لشروط المعتدي. يجب على العالم أن يفهم أنه إذا خسرت أوكرانيا، فلن تكون تلك مأساة لها فقط، بل ستكون مقدمة لصراع عالمي جديد لن يبقى فيه أحد على هامش الأحداث.