
كتب (محمد البابا)
خلال حملته الانتخابية، وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة من توليه منصبه. ومع ذلك، بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على توليه الرئاسة في 20 يناير/كانون الثاني 2025، لا تزال الحرب مستمرة. في 12 فبراير/شباط 2025، أجرى ترامب محادثات هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث تم الاتفاق على بدء مفاوضات فورية لإنهاء النزاع.
على الرغم من هذه الجهود، لم يُتوصل إلى اتفاق سلام حتى الآن. وأشار بعض مساعدي ترامب إلى أن التوصل إلى اتفاق قد يستغرق عدة أشهر، مما يتناقض مع وعوده السابقة بإنهاء الحرب بسرعة.
وتتزايد المخاوف بين الحلفاء الأوروبيين من أن سياسات ترامب قد تؤدي إلى تقويض الدعم لأوكرانيا وتعزيز موقف روسيا. ويُعتبر هذا التناقض بين الوعود الانتخابية والواقع الحالي مصدر قلق للعديد من المراقبين الدوليين.
فقد أثارت مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتفاوض مع روسيا بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا ردود فعل غاضبة ومخاوف عميقة بين القادة الأوروبيين. يعود ذلك إلى استبعادهم من هذه المفاوضات المحتملة، مما يعتبرونه تهميشًا لدورهم وتقويضًا لمصالحهم الأمنية في المنطقة.
قال الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب، إن الولايات المتحدة أرسلت استبياناً إلى الدول الأوروبية تسألها فيه عما يمكنها فعله لتوفير ضمانات أمنية لأوكرانيا. وأضاف ستوب، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن “الأميركيون قدموا للأوروبيين استبياناً بشأن ما يمكن أن يكون متاحاً”.
وتابع “هذا سيجبر الأوروبيين على التفكير. وبعد ذلك، يعود الأمر للأوروبيين لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا سيجيبون فعلياً على الاستبيان، أو يجيبون عليه معاً”. وبدورها، قالت أربعة مصادر أوروبية، اليوم السبت، إن الولايات المتحدة أرسلت وثيقة دبلوماسية إلى العواصم الأوروبية تسألها فيها عما يمكن أن تقدمه من مساهمات فيما يخص توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا.
وأضافت المصادر أن الوثيقة أرسلت لطرح أسئلة تتضمن مساهمات محتملة في قوات في المستقبل.وقال اثنان من المصادر إن الوثيقة أرسلت خلال الأسبوع الماضي.
وكانت صحيفة “فايننشال تايمز” أول من ذكر أن الولايات المتحدة طلبت من حلفائها الأوروبيين تقديم معلومات عن الأسلحة وقوات حفظ السلام والترتيبات الأمنية التي يمكنهم تقديمها لأوكرانيا.
وقال دبلوماسي أوروبي مطلع “من الواضح أن الفكرة هي معرفة كيف يرى الحلفاء الأوروبيون الإطار المحتمل للمفاوضات لإنهاء الصراع، والمشاركة المحتملة لأوروبا والولايات المتحدة”.
وقال أحد الدبلوماسيين إن الوثيقة تتضمن ستة أسئلة، أحدها موجه خصيصاً للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد دعا، إلى بناء جيش أوروبي، قائلاً: إن القارة لم تعد قادرة على ضمان الحماية من الولايات المتحدة، ولن تحصل على احترام واشنطن إلا من خلال جيش قوي.
وقال دبلوماسي ثالث إن “الأميركيين يتواصلون مع العواصم الأوروبية، ويسألون عن عدد الجنود التي يمكن أن تنشرها تلك الدول”.
وأعلن المبعوث الأميركي، الجنرال كيث كيلوغ، أن الولايات المتحدة تعتزم إجراء مفاوضات مباشرة مع روسيا، مستبعدة مشاركة الدول الأوروبية. هذا القرار أثار استياءً واسعًا بين القادة الأوروبيين الذين يرون في ذلك تجاهلاً لدورهم المحوري في دعم أوكرانيا ومواجهة التهديدات الروسية.
ردود الفعل الأوروبية
دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قمة طارئة في باريس لمناقشة تداعيات التحركات الأميركية، مؤكدًا على ضرورة تنسيق المواقف الأوروبية لضمان أمن القارة.
بدوره انتقد وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، الإدارة الأميركية، معتبرًا أن تصريحاتها أضعفت موقف أوكرانيا في المفاوضات المحتملة مع روسيا.
واكد وزير الخارجية البولندي، رادوسلاف سيكورسكي، دعم بلاده للمبادرة الفرنسية، مشددًا على أهمية مشاركة أوروبا في أي مفاوضات تتعلق بأمن القارة.
كما أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن قلقه من إمكانية فرض اتفاق سلام على بلاده دون مشاركتها الفعلية، مؤكدًا على ضرورة توافق المواقف مع واشنطن قبل أي مفاوضات مع موسكو.
وفي محاولة لتهدئة التوترات، أكد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أن أوكرانيا ستكون جزءًا من المفاوضات مع روسيا، مع دور وساطة أميركي. ومع ذلك، استمر استبعاد القادة الأوروبيين من المشاركة المباشرة، مما زاد من حدة التوترات عبر الأطلسي.
الخطوات الأوروبية
يعتزم القادة الأوروبيون الاجتماع لتنسيق ردودهم وتحديد دورهم في دعم أوكرانيا، مع التأكيد على أن أي اتفاق سلام يجب أن يشمل ضمانات أمنية قوية لكييف، ويأخذ بعين الاعتبار المصالح الأوروبية لضمان سلام دائم في المنطقة.
وتُظهر هذه التطورات التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بشأن كيفية التعامل مع الأزمة الأوكرانية، مع تركيز الأوروبيين على أهمية الشراكة والتنسيق في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
وكان الرئيس الأوكراني زيلينسكي قد أعلن عن استعداده للتفاوض مع روسيا لإنهاء الحرب، بشرط تلبية عدة متطلبات أساسية:
وأكد زيلينسكي على ضرورة حصول أوكرانيا على ضمانات أمنية فعّالة من دول أخرى قبل الدخول في أي مفاوضات مع روسيا. وأشار إلى أهمية وجود وثيقة قانونية ملزمة تحدد هذه الضمانات، بما في ذلك الدعم العسكري والسياسي في حال تعرض أوكرانيا لعدوان مستقبلي.
وشدد زيلينسكي على أهمية استعادة أوكرانيا لكامل أراضيها المعترف بها دوليًا، مع رفض أي تنازل عن السيادة الأوكرانية على المناطق المحتلة.
ودعا زيلينسكي إلى إنشاء محكمة خاصة لمحاسبة روسيا على “جريمة العدوان” ضد أوكرانيا، مؤكدًا أن هذا الإجراء سيبعث برسالة واضحة لكل المعتدين المحتملين بضرورة السعي للسلام أو مواجهة المسؤولية الدولية.
وركز زيلينسكي على ضرورة حماية المدنيين وضمان أمنهم، مشيرًا إلى أن أي اتفاق يجب أن يتضمن تدابير فعّالة لحماية السكان والبنية التحتية من أي تهديدات مستقبلية.
كما أكد زيلينسكي على حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مشددًا على أن بلاده ستستمر في تعزيز قدراتها الدفاعية لمواجهة أي تهديدات محتملة.
وأشار زيلينسكي إلى أن قرار حظر المفاوضات مع روسيا، الذي صدر رسميًا عن السلطات الأوكرانية، لا يعبر عن موقفه الشخصي بشكل صارم، موضحًا أن مثل هذه القرارات تتطلب تقييمًا مستمرًا للوضع السياسي والدبلوماسي.
تأتي هذه التصريحات في سياق الجهود المستمرة لإنهاء الصراع وتحقيق سلام دائم في المنطقة، مع تأكيد أوكرانيا على ضرورة وجود ضمانات دولية ملموسة قبل الشروع في أي مفاوضات مباشرة مع روسيا.