
كتب محمد البابا
الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، يوم مميز في أوكرانيا حيث تلعب المرأة الأوكرانية دورًا حاسمًا في دعم بلادها خلال الحرب، سواء في الجبهات الأمامية أو في الخطوط الخلفية، ايضا في مراكز القرار كان للمرأة الأوكرانية دور مهم سياسيا ودبلوماسيا، حيث تثبت جدارتها وقدرتها على تنفيذ المهات الموكلة اليها.
تمثل الصراعات تهديدًا لأمن الدول، وتمتد آثارها إلى مختلف فئات المجتمعات؛ إذ تنعكس تداعياتها على الرجال والنساء والأطفال على حد سواء، غير أن المرأة أكثر تأثرًا بها وذلك في ضوء الخصوصية التي تتمتع بها في المجتمعات. وقد ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على المرأة الأوكرانية في إطار مجموعة من الأدوار، إذ كانت فاعلًا تارة ومفعولًا به تارة أخرى داخل هذا المشهد المتشابك، ومن ثم تسعى هذه الورقة إلى تسليط الضوء على الدور الذي تقوم بها النساء في الحرب الروسية الأوكرانية مع استعراض التداعيات التي تنصرف عليهن خلال أعقاب الحرب.
المرأة الأوكرانية المشهورة بجمالها واناقتها، عرفت ايضا من خلال هذه الحرب بقوتها وصمودها، حيث لعبت دورا كبيراً في كل الميادين العسكرية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية ، فكانت العمود الفقري في استمرار الحياة ولو بشكل شبه طبيعي رغم هجمات المسيرات والصواريخ، وحافظت على نمط حياة شبه طبيعي مجبول بالعرق والتعب وحتى بالدم في بعض الأحيان.
الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي يقول في احدى مقابلاته ان دور زوجته ايلينا زيلينسكي كان مهما في اتخاذه للعديد من القرارات واهمها قراره عدم مغادرة المكتب الرئاسي في الايام الاولى للحرب، وبقائه صامدا التمر الذي اعطى دفعة معنوية كبيرة للمدافعين عن كييف في صد الهجوم الروسي ومنع اقتحام العاصمة
تلعب النساء أدوارًا بارزة في عدد كبير من الجيوش الوطنية، وبالنسبة لأوكرانيا كانت النساء جزءًا من القوات المسلحة الوطنية منذ عام 1993، أي بعد عامين فقط من إعلان البلاد استقلالها. وقد شهد تجنيد النساء في الجيش الأوكراني تطورًا مُطردًا، حيث ساهمت المقاومة الأوكرانية ومشاركة النساء في احتجاجات الميادين عام 2013 في إعادة تشكيل أدوار المرأة في حمل السلاح.
ومنذ الغزو الروسي عملت النساء الأوكرانيات “في الخطوط الأمامية كمشاة ومسعفين قتاليين وقناصة”، علاوة على مساهماتهن الطوعية كمدنيات.
في عام 2018، تم إقرار قانون عسكري يحث على المساواة بين الجنسين في الجيش الأوكراني ، ومنح هذا القانون المرأة حقوقًا متساوية في الجيش، مما أدى إلى تحول مجتمعي عميق، حيث تم رفع القيود المفروضة على قبول الإناث في دراسة بعض التخصصات العسكرية، وتم السماح للمرأة بالحصول على مناصب ضابط في وحدات عسكرية هامة مثل العمليات الخاصة، وارتفعت نسبهن ما بين عامي 2019 و2020 في معظم الأدوار كما هو موضح بالشكل (1). وفي ديسمبر الماضي أجرت وزارة الدفاع تحديثًا للوائح يقتضي بموجبه فتح باب التجنيد للنساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 18 و60 عامًا لتوظيفهن أثناء الحرب.
غردت وزارة الخارجية وفي اليوم العالمي عبر حسابها الرسمي على منصة “X” شاكرة المجندات الأوكرانيات، وأكدت أن النساء يمثلن 15% من الجيش الأوكراني وفق إحصائيات ما قبل اندلاع الحرب، والآن فهن يفقن هذه النسبة بكثير، والتي يستحيل حصرها على حد ما ورد بالتصريح.
النساء في الخطوط الأمامية
ومن بين 60 ألف امرأة في الجيش الأوكراني، تخدم 5000 منهن في وحدات قتالية، ويعملن كمسعفات وقناصات، حسبما قالت يفهينيا كرافتشوك، عضو البرلمان الأوكراني.تلعب النساء في أوكرانيا دورًا كبيرًا في تقديم الدعم المعنوي، إذ تبلغ نسبتهن في البرلمان الأوكراني نحو 21%، ويمثلن جبهة مقاومة قوية عبر الأثير، فلهن صوت ذو صدى من خلال وسائل الإعلام المختلفة لتعزيز التضامن لمقاومة الغزو الروسي، ولهنّ كذلك دور فعال في إعداد الدفاع المدني والغذاء والمأوى في المدن التي تعرضت للقصف، علاوة على الدعم المعنوي للجيش من خلال مشاركة مقاطع فيديو وصور على وسائل التواصل الاجتماعي تحكي قصص النساء اللواتي يتُقن إلى محاربة روسيا.
تشارك المرأة الأوكرانية في الحرب من خلال توظيفها في الحرب النفسية، عبر استدعاء ذكرى الحرب العالمية الثانية في الصراع، عن طريق تداول أسطورة “الجوارب البيضاء” White Tights. ويعد هذا المصطلح كناية عن القناصين القساة، وينسب إلى بدلات التمويه البيضاء التي يرتديها الجنود الفنلنديون الذين ألحقوا خسائر فادحة بالجنود السوفيت خلال الحرب العالمية الثانية.
ظهرت وحدة عسكرية مكونة حصريًا من النساء في مواقع القوات المسلحة الأوكرانية في قطاع كريمنسكي من الجبهة. ومن خلال اعتراضات الاتصالات الراديوية، أصبح من الواضح أنهن من مشغلي الطائرات المسيرة والقناصين.
تنتمي الوحدة النسائية إلى اللواء 54 بالقوات المسلحة الأوكرانية، وتسمى K-2 ومن المفترض أنها تتكون من متطوعات.
وتقول هانا ماليار (النائبة السابقة لوزير الدفاع الأوكراني): ” إن الحرب تجربة صعبة بغض النظر عن الجنس.
وبالمثل، بغض النظر عن الجنس – سواء الرجال أو النساء – فإننا نحب بلدنا ونناضل من أجله.
نساؤنا أيضًا يحملون السلاح ويقاتلون. وفي المدن الخلفية، تقوم النساء بأعمال كانت في السابق حكراً على الرجال، نظراً لتعبئة عدد كبير من الرجال”.
وتضيف: “أنا، أولاً وقبل كل شيء، متخصصة في العمل. وأنا لا أفكر في حقيقة أنني امرأة. أستطيع أن أتحمل نفس الأحمال التي يتحملها الرجال وأفكر في النتيجة في المقام الأول.
وأنا أيضًا لا أختار من أعمل معه بناءً على الجنس. المفتاح هو التحفيز والاحتراف.
لكن، بصراحة، أعتقد أن الفريق الذي يضم رجالاً ونساءً أقوى وأكثر فعالية.”
العقيد ناتاليا غومينيوك المتحدثة باسم القيادة الجنوبية للقوات الأوكرانية تعتقد أن المرأة في الجيش ليست مجرد ضابطة أو جندية. وهذا هدف خاص، عندما تجتمع الأنوثة والأمومة وقليل من السحر من أجل مهمة مقدسة – وهي حماية الأرض الأصلية. المرأة هي الانضباط والوعي والرعاية والمسؤولية. بالتأكيد هناك بعض الصعوبات في الترجمة. ولكن لدينا كل هذه الكلمات في صيغة المؤنث. والمرأة تحمل هذه المفاهيم في حياتها بحضورها.
تضيف غومينيوك: أما عن نفسي شخصياً، فقد أصبحت مثالاً للمحاربة التي، نيابة عن قوات الدفاع، كنت اتواصل مع المدنيين والعالم أجمع تقريباً. لقد كنت وجه أوكرانيا وجيشها بالنسبة للكثيرين.
وإن خلق صورة لجيش يقاتل بوعي، وببطولة، وبصعوبة، ولكن منتصراً – بالنسبة لي، هذا شرف عظيم.
“أنا فخورة بأن أكون جنديًة في الجيش الاوكراني!”
“اليوم، أود أن أتمنى للنساء الأوكرانيات، وكذلك النساء في جميع أنحاء العالم، أن يكنّ مرنات، ومطالبات لأنفسهن ومن حولهن، وأن يحافظن على حنانهن الطبيعي، وأن يتذكرن أننا قادرات على التغلب على جميع التجارب التي ترسلها إلينا القوى العليا. وسوف نصبح أكثر جمالا وقوة وحكمة ونشارك بشكل فعال في مصير العالم! كما أن الأرض لا تستطيع أن تعيش بدون الربيع، فكذلك العالم كله لا يستطيع أن يعيش بدون النساء.”
وتقوم عشرات آلاف أخريات بدور مهم للمساعدة في هذه الحرب الصعبة كصحفيات ومسعفات ومعلمات وسياسيات وفنانات.
و كاترينا فوتوفات، السفيرة المتجولة بالإنابة لمكتب وزير الخارجية لقضايا المرأة العالمية في وزارة الخارجية الأميركية قالت انه “على مر التاريخ، لعبت النساء دورا حاسما في كفاح أوكرانيا من أجل الحرية والسيادة”.
أما أوكسانا ماركاروفا (سفيرة أوكرانيا لدى الولايات المتحدة) وهي لعبت دورا مهما في اقناع الديقراطيين في دعم بلادها تقول: إن “النساء … أبطال هذه الحرب”.
وقالت ماركاروفا، خلال حلقة نقاش أدارتها وزارة الخارجية الأميركية، إنه مع فرار العديد من المنظمات الدولية من أوكرانيا في بداية الغزو الروسي الشامل، بقيت العديد من القيادات النسائية “ولقد خاطرن بحياتهن لتوصيل الطعام لمساعدة النساء الأخريات. لقد خاطرن بحياتهن لمساعدة قواتنا المسلحة وحاولن تأمين نوع من الحياة الطبيعية في هذه الحرب الرهيبة”.
وأشارت إلى العمل الاستثنائي الذي قامت به امرأة عظيمة “أولكساندرا ماتفيتشوك”، التي تقود مركز الحريات المدنية وشاركت في جائزة نوبل للسلام لعام 2022 لجهودها في توثيق جرائم الحرب المحتملة وانتهاكات حقوق الإنسان.
وأضافت في المدن والقرى، يوجد العديد من الرجال في الخطوط الأمامية، لذلك اضطرت النساء إلى إبقاء المستشفيات والمدارس وحتى القرى نفسها قيد التشغيل، وغالبا بن ماء أو كهرباء أو إمدادات”.
ومع استدعاء أفواج من الرجال للمشاركة في صد الغزو الروسي على مدى سنوات، سطع دور النساء في صمود اقتصاد أوكرانيا عبر شغلهن وظائف في مختلف القطاعات الإنتاجية رغم خشونة بعض الأدوار، ومن ذلك مناجم الفحم ومزارع الألبان. فبعد وقت قصير من اقتحام القوات الروسية الحدود الأوكرانية قبل ثلاث سنوات، حُشد أكثر من 15% من الرجال العاملين في المناجم.
ومع مواجهة معظم أصحاب العمل الكبار الآخرين في البلاد أزمةً عماليةً مماثلةً، بدأت الإدارة في البحث عن نساء لشغل بعض الوظائف في المناجم، علماً أن نحو 140 امرأة تعمل الآن تحت الأرض في ما تعتبره الشركة وظائف أقل إرهاقاً، حسب تحقيق أوردته بلومبيرغ اليوم الجمعة.
وفي جميع أنحاء أوكرانيا، أصبحت النساء تتولى أدواراً كانت محظورة عليهن تقليدياً، ما يُعد تغييراً كبيراً في بلد حيث مُنع أصحاب العمل، حتى عام 2017، من توظيف النساء لنحو 450 فئة وظيفية تعتبر “تهديداً للصحة والخصوبة”، مع استمرار بعض القيود حتى اندلاع الحرب عام 2022.
ولتعزيز هذا الاتجاه ومساعدته على الصمود بعد انتهاء الصراع، بغض النظر عن نتائج المحادثات الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا، تعمل وزارة الاقتصاد في أوكرانيا مع الأمم المتحدة على برنامج يسمى “بالتأكيد تستطيع” (Sure You Can) لتزويد النساء بالتدريب وتوجيههن إلى وظائف جديدة.
وبينما تسعى البلاد إلى التخلص من الوقود الأحفوري وزيادة توليد الطاقة وسط الهجمات الروسية المستمرة على الشبكة، تدرب منظمة السلام الأخضر النساء على تركيب الألواح الشمسية.
كما توفر منظمة غير ربحية سويدية تسمى “إعادة تأهيل أوكرانيا” (Reskilling Ukraine) تعليماً مجانياً للنساء وقدامى المحاربين لمساعدتهن على بدء مهن جديدة.