
كتب (محمد البابا) :
هل تذهب جهود الولايات المتحدة الأمريكية لانهاء صراع كاد ان يشعل الحرب العالمية الثالثة سداً التصعيد الروسي الدموي العنيف الذي يطال المدن الأوكرانية وآخرها سومي التي شهدت على مجزرة اودت بحياة ٣١ مدنيا خلال يوم الشعنيني؟
سؤال يطرح بشكل كبير بعد التصعيد العسكري الذي بدأته روسيا تزامناً مع انتهاء لقاءات جدة والرياض، وطرح وقف اطلاق النار في البحر وعلى منشآت البنى التحتية ومراكز الطاقة بين روسيا وأوكرانيا.
ومنذ ٣ اسابيع تشن روسيا هجمات عنيفة على المدن الأوكرانية الأمر الذي يعتبر تصعيداً كبيرا، وضرب لجهود السلام، حيث شهدت نهاية الايام اعنف الهجمات، بعد استهداف مدينة كريفوي ريغ مسقط رأس زيلينسكي، والتي انهالت عليها الصواريخ البالبستية والتي اودت بحياة العشرات بين عدد كبير من الاطفال، استهدف روسيا صباح يوم الأحد مديينة سومي بصواريخ باليستية ضرب وسط المدينة حيث قتل ٣١ شخصاً بينهم ٣ اطفال، كما لم تسلم منشآت اعلامية من الهجوم حيث تم استهداف مبنى يضم مكاتب لمحطات اعلامية أوكرانية وغربية، وقناتي “UATV” و “Freedom”.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قال أن التزام الصمت وغض البصر عن جرائم الروس بحق الأطفال يُشجّعهم على ارتكاب جرائم حرب جديدة.
وعلق زيلينسكي على القصف الروسي الذي استهدف حيًا سكنيًا في مدينة كريفي ريه يوم السبت ان روسيا لا تفرق بين الكبار والصغار، مشيراً الي استيائه من بيان السفارة الأمريكية في كييف الذي لم يشير الى روسيا كمسبب لسقوط الأطفال.
وأشار الرئيس الأوكراني ايضا إلى أن روسيا واصلت هجومها للاسبوع الثاني على المدينة باستخدام الصواريخ الباليستية والمسيّرات، وتستهدف المناطق السكنية.
وقال زيلينسكي: «إن التزام الصمت بشأن حقيقة أن روسيا هي من تقتل الأطفال باستخدام الصواريخ الباليستية، أمر غير صحيح وخطير. فهذا لا يؤدي إلا إلى تحفيز القادة في موسكو على مواصلة الحرب والاستمرار في تجاهل الدبلوماسية. فالضعف لم يُنهِ أي حرب من قبل».
وفي هذا السياق، شدد زيلينسكي على أنه من أجل محاسبة الروس على كل ما ارتكبوه، يجب ممارسة الضغط عليهم هناك، وليس «إضاعة الوقت في أحاديث فارغة».
وفي حصيلة رسمية منذ بدء الحرب قُتل 619 طفلًا، وأصيب 2479 آخرون بفعل الجهمات الصاروخية التي تطال المدن الأوكرانية.
وفي تطوّر مقلق على الساحة الدولية، أعلنت مصادر دبلوماسية عن انهيار الجولة الأخيرة من محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا، والتي كانت تُعقد بوساطة دولية بهدف التوصل إلى حل ينهي الموضوع الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وأفادت تقارير بأن الخلافات الجوهرية بين الطرفين لا تزال عميقة، خاصة فيما يتعلّق بوضع المناطق المحتلة، وانسحاب القوات الروسية، وشروط الضمانات الأمنية لكييف.
الرئاسة الروسية بدورها حمّلت أوكرانيا مسؤولية فشل المحادثات، متهمةً إياها بـ”التمسك بشروط غير واقعية تمليها الدول الغربية”، بحسب تصريح المتحدث باسم الكرملين. في المقابل، أكد مسؤولون أوكرانيون أن روسيا “غير جادة في التفاوض”، وأنها تستخدم المحادثات “كغطاء لتجديد هجماتها العسكرية”.
وعبّرت دول غربية عن “خيبة أملها” من فشل المحادثات، محمّلة روسيا المسؤولية، فيما دعت الصين والاتحاد الأوروبي إلى “العودة الفورية للمسار الدبلوماسي”، محذّرين من اتساع رقعة الحرب.
قراءة عسكرية للوضع الميداني
مع انهيار محادثات السلام، بات المشهد الميداني في أوكرانيا ينذر بجولة جديدة من التصعيد، قد تكون الأوسع منذ بداية العام. التحركات الروسية الأخيرة تُظهر استعدادًا لشنّ عمليات هجومية على أكثر من جبهة، خاصة في الشرق والجنوب، حيث تُسجّل تعزيزات للقوات والمدفعية، إضافة إلى تكثيف الطلعات الجوية والاستطلاعية.
بحسب تقارير استخباراتية غربية، تركز روسيا حاليًا على محور باكروفسك وتشاسيف يار، في محاولة لاستعادة زمام المبادرة ميدانيًا. وفي المقابل، تبني القوات الأوكرانية خطوط دفاع جديدة وتحاول استنزاف القوات الروسية عبر تكتيكات “الضرب والانسحاب”، في انتظار وصول مزيد من الدعم الغربي.
الطائرات المسيّرة تدخل بقوة
اللافت في المرحلة الأخيرة هو تصاعد استخدام الطائرات المسيّرة من الطرفين، سواء للاستطلاع أو الضربات الدقيقة. وتشير مصادر عسكرية إلى أن المعركة المقبلة قد تكون “حرب مسيّرات”، خاصة بعد إدخال نماذج جديدة من المسيّرات الإيرانية والأنظمة الغربية المضادة للطائرات، وقال اولكساندر سيرسكي ان أوكرانيا دمرت ٧٧ الف هدف روسيا عبر استخدام المسسيرات فقط في شهر مارس.
رغم أن فصل الشتاء كان يُستخدم تقليديًا كعامل لتهدئة الجبهات، إلا أن التغير المناخي نسبيًا، واستخدام معدات متطورة، جعلا مناخ المعارك أكثر ديناميكية. الأرض المتجمدة كانت تسهّل تنقل المدرعات، وهو ما استغلته روسيا في تنفيذ بعض اختراقات سريعة.
الخبراء يرجّحون أحد السيناريوهين:
- تصعيد واسع النطاق تقوده روسيا لاستعادة مناطق خسرَتها العام الماضي.
- حرب استنزاف طويلة تُبقي الوضع على حاله من دون تغيير ميداني كبير، لكنها ترهق الطرفين وتُطيل أمد النزاع. الكونغرس يستمع لجنرالات الناتو
وحذر كبار الجنرالات الأميركيين خلال جلسة استماع أمام الكونغرس من التطورات المقلقة في الحرب الأوكرانية، مشددين على ضرورة استمرار الدعم العسكري والاستخباراتي لكييف، في مواجهة تسارع كبير في إنتاج الأسلحة الروسية وتحديات داخلية وخارجية.
الجنرال كريستوفر كافولي “القائد الأعلى لقوات الناتو في أوروبا”، كشف أن روسيا باتت تنتج ما يصل إلى 250 ألف قذيفة مدفعية شهريًا، وتسعى لتصنيع نحو 1,500 دبابة سنويًا.
وأوضح أن هذا الإنتاج يضع روسيا على مسار لتكوين مخزون يفوق بثلاثة أضعاف مجموع ما تنتجه الولايات المتحدة وأوروبا.
وأضاف كافولي أن هذا التصعيد في التصنيع العسكري يمثل تحديًا مباشرًا لقدرات الردع الغربية، ويستلزم إعادة تقييم عاجلة لاستراتيجيات الدعم والتسليح.
واكد ان أوكرانيا تواجه تحديات بشرية وتحاول التكيّف مع الوضع الجديد بعد قرارات ترامب تقليص الدعم.
وفي ما يتعلق بأداء أوكرانيا، قال كافولي إن كييف نجحت في التخفيف من بعض النقص في القوى البشرية عبر توسيع نطاق التجنيد. لكنه شدد على أن الدعم الغربي، وخصوصًا الأميركي، لا يزال حجر الزاوية في صمود أوكرانيا ميدانيًا.
وأشار كافولي إلى أن الدول الأوروبية أصبحت تغطي أكثر من نصف احتياجات أوكرانيا من الذخيرة، في وقت تسعى فيه دول مثل التشيك إلى إطلاق مبادرات تمويل طارئة. ورغم هذه الخطوات، أبدى قلقًا من أي تراجع في الدعم الأميركي، سواء على مستوى الاستخبارات أو التسليح.
أمّا السيناتور الجمهوري روجر ويكر عبّر عن خشيته من تقليص محتمل للوجود العسكري الأميركي في أوروبا، واصفًا ذلك بأنه سيكون “مضللًا وخطرًا للغاية”، الأمر الذي أيده الجنرال كافولي، مؤكدًا أهمية الحفاظ على الانتشار العسكري الأميركي في مواجهة التهديدات الروسية المتنامية.
وبدوره الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق، قال إن الحرب في أوكرانيا قد تطول لسنوات، معتبرًا أن النزاع سيتطلب انخراطًا طويل الأمد من الولايات المتحدة وحلفائها. كما حذر من أن عدم مواجهة روسيا اليوم قد يضطر واشنطن لمضاعفة ميزانية دفاعها في المستقبل، وهو ما يجعَل دعم أوكرانيا حاليًا “استثمارًا في الاستقرار العالمي”.